الحرب الباردة هي تلك الصراعات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية التي وقعت بين (الاتحاد السوفييتي ) و (الولايات المتحدة ) في الفترة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية والتي استمرت إلى نصف قرن تقريبًا منذ عام 1945 وحتى عام 1990، كانت كل منهما تمثل قوة عسكرية جبارة في الوقت الذي خرجت منه أوروبا من الحرب العالمية منهكة بعد أن كانت تمثل النقطة المركزية التي يتجمع حولها النظام الدولى بأكمله؛ أصبح كلا العملاقين الآن يتنافسان ليس على قيادة العالم فحسب بل على فرض أيدلوجيتهم الاقتصادية المختلفة على ذلك العالم؛ ففي الوقت الذي كان فيه اقتصاد (الولايات المتحدة ) رأسمالي، كان (الاتحاد السوفييتي ) يسعى لنشر الشيوعية في كافة المناطق التي تقع تحت نفوذه.
لن يصبح من سبيل المبالغة إعادة جذور الحرب الباردة بين كل من (الاتحاد السوفييتي ) و(الولايات المتحدة ) إلى ما قبل قيام (الاتحاد السوفييتي ) من الأساس؛ فمنذ قيام الثورة البلشفية التي كانت السبب في ظهوره إلى الوجود ولم تعترف (الولايات المتحدة ) بذلك الكيان الحديث إلا بعد سبعة عشر عامًا، ولم يفلح ذلك الاعتراف المتأخر في أن يغير اعتقاد (الاتحاد السوفييتي ) في أن (الولايات المتحدة ) هي قوة رأسمالية ليست مختلفة الأيدلوجية فحسب، بل تشكل خطرًا على (الاتحاد السوفييتي )، وتسعى للسيطرة عليه.
أما (الولايات المتحدة )، فمن ناحيتها لم يغير ذلك الاعتراف شيئًا، ولم يكن نتيجة التخلص من الضغائن؛ ففي أثناء الحرب العالمية الثانية حين كان يسعى (ستالين ) من جانبه لمحاولة إقامة جبهة مشتركة بينه وبين (الولايات المتحدة ) تتمكن من مواجهة خطر(هتلر ) و(ألمانيا النازية )، كانت كل محاولاته تُقابل بالتجاهل؛ وهو ما دفعه في عام 1939 م على الموافقة على إقامة الحلف النازي السوفييتي كي يضمن الحماية والأمان لدولته وهو ما ساهم في مضاعفة سُخط (الولايات المتحدة )، لكن حين قام هتلر بغزو (الاتحاد السوفييتي ) عام 1941 خارقًا ذلك التحالف الذي أقامه معهم، أدركت حينها (الولايات المتحدة ) خطورة الموقف؛ حيث غزو ألمانيا لبلد غنيّ بالموارد كـ (الاتحاد السوفييتي ) يعني أن ألمانيا ستزداد قوة وسيصبح وضع حدود لطموحها والتخلص منها شيئًا أكثر صعوبة.
لذا فقد قامت (الولايات المتحدة ) بشحن إمدادات عسكرية لدعم (الجيش الأحمر السوفييتي ). وحين قام (هتلر ) بإعلان الحرب على (الولايات المتحدة )، أرسلت الأخيرة المزيد من الإمدادات العسكرية إلى (الاتحاد السوفييتي ) بما يزيد على أحد عشر مليار دولار، إلا أن ذلك التحالف المؤقت الذي خلقته المصلحة المشتركة لم يكن خاليًا من الغضب والتهكم وتفضيل المصالح الشخصية؛ حيث نجد أنه في الوقت الذي كانت القوات السوفييتية تحارب فيه 80% من القوات المسلحة الألمانية، كانت كل من (بريطانيا ) و(الولايات المتحدة ) تتلكآن في فتح جبهة ثانية ضد ألمانيا للتخفيف من الضغط العسكري على السوفييت.
وبعد انتهاء الحرب، تعرض ذلك التحالف الثلاثي إلى نزاعات أخرى كان يجب تسويتها بما يُرضي جميع الأطراف ودون أن يؤثر على مصلحة أي طرف، وكانت إحدى أهم تلك القضايا المطروحة هي كيفية التعامل مع (ألمانيا ). سعى (ستالين ) إلى الحصول على تعويضات مالية من ألمانيا، وبعد أن حصل في مؤتمر (يالطا ) على تأكيد حصوله على تلك التعويضات، تغير موقف (الولايات المتحدة ) نتيجة لتغير قيادتها السياسية؛ فبعد وفاة (روزفلت ) الذي كان يتبنى سياسة محايدة في التعامل مع السوفييت، حل محله (ترومان ) الذي كان قد قرر من يومه الأول التزام الشدة والحزم مع السوفييت.
لذا فحين عُقد مؤتمر آخر بعد عدة أشهر، تم رفض فكرة التعويضات التي رغب بها (ستالين ). وفي المقابل، تم تقديم اقتراح يتضمن حصول كل دولة على تعويضاتها من مناطق الاحتلال التي تقع تحت نفوذها وسيطرتها. وقد كانت المناطق غزيرة الموارد في (ألمانيا ) تقع بعيدًا عن نفوذ (الاتحاد السوفييتي )؛ لذا لم يكن هناك أي حل يمكنه تسوية تلك القضية الهامة والملحة سوى التقسيم. تم تقسيم ألمانيا إلى قسمين: شرقي ويقع في نفوذ الاتحاد السوفييتي، وغربي ويقع في نفوذ أوروبا والولايات المتحدة. ويمكن القول أن انقسام ألمانيا كان يمثل كذلك انقسام القارة الأوروبية بأكملها إلى معسكرين: شرقي وغربي.
لم يكن يعني حل مشكلة (ألمانيا ) أن الطرفين قد أصبحا على وفاق الآن؛ فقد كانت هناك العديد من المشكلات الأخرى التي يختلف عليها الطرفان ويتنازعان، ومنها على سبيل المثال: منطقة الشرق الأوسط التي يرغب كل طرف في السيطرة عليها لأجل مصالحه الخاصة. أما السبب الأكثر أهمية؛ فهو قيام الاتحاد السوفييتي بنشر سلطته ونفوذه على الكثير من البلدان الأخرى ومحاولة إخضاع تلك الدول له للاستفادة من مواقعها الاستراتيجية ومواردها الغنية؛ حيث قام بفرض حكومات تابعة له في (بولندا ) و (رومانيا ) و (بلغاريا ) هذا بالإضافة إلى سيطرته على كل من (ألمانيا الشرقية ) و (إيران )، كما أن الشيوعية كانت قد بدأت تحصد شعبية كبيرة في بعض من البلاد الرأسمالية نفسها.
وقد كان ذلك كله يدفع بـِِِ (الولايات المتحدة ) إلى أن تبدأ في اتخاذ إجراءات تتمكن من خلالها من الحد من تلك القوة الجديدة الآخذة في الانتشار؛ لذا فقد عقدت العزم على مساعدة كل من (اليونان ) التي كانت تخوض حربًا أهلية ضد الجماعات الشيوعية و(تركيا ) التي كانت تتعرض إلى ضغوط من (روسيا ) كي تتنازل عن منطقة (الدردنيل )؛ وخصص (ترومان ) مبلغ يقدر بـِِِ 400 مليون دولار كمساعدات اقتصادية وعسكرية للدولتين.
لم تتوقف مساعدات (الولايات المتحدة ) عند هاتين الدولتين فقط بل اتسعت لتشمل جميع دول أوروبا فيما سُمي بـِِِ (مشروع مارشال ) والذي كان يهدف إلى مساعدة تلك الدول على الخروج من تأثيرات الحرب السيئة عليها لا سيما (ألمانيا الغربية ). وقد شعر (الاتحاد السوفييتي ) بأن ذلك المشروع من شأنه أن يقوض نفوذه، إذا ما شاركت به الدول الخاضعة تحت نفوذه؛ لذا فقد منع دول أوروبا الشرقية الواقعة تحت نطاق نفوذه من المشاركة في هذا البرنامج كما قام بتأسيس (مكتب الإعلام الشيوعي ) لضمان إحكام السيطرة ليس على دول أوروبا الشرقية فقط، بل على الأحزاب الشيوعية في أوروبا الغربية أيضًا.
وقد بلغت الحرب الباردة أوجها حين قام (ستالين ) في عام 1948م بمنع قوات الحلفاء من دخول (ألمانيا الغربية )؛ فقام (ترومان ) ردًا على ذلك بإرسال كافة الإمدادات اللازمة للمواطنين المحاصرين هناك عن طريق الجو؛ ولأن ذلك الحصار الذي فرضه (ستالين ) أصبح الآن بلا قيمة فقد قام بإنهائه عام 1949 م، لكن على الرغم من ذلك، بقيت تلك خطوة كبيرة وصادمة في مسار الحرب الباردة؛ حيث أنها أكدت على حقيقة ذلك الانقسام بين المعسكرين الشرقي والغربي، كما أنها نبهت إلى الخطوات الهجومية التي من الممكن أن يقوم بها (الاتحاد السوفييتي ) فجأة.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان